إيلون ماسك والواقع السياسي: بين عبقرية التكنولوجيا وسذاجة الطموح إلى السلطة

بعد ١٣٠ يومًا من تولّيه منصب رئيس "دائرة كفاءة الحكومة" (دوج DOGE) في إدارة ترامب، أعلن إيلون ماسك استقالته. وانتهت مدة خدمته دون تجديد، تاركةً خلفها درسًا بالغ الأهمية حول الحدّ الفاصل بين الذكاء والحكمة في السياسة.

بوصفه شخصيةً محوريةً ساهمت بشكل كبير في فوز ترامب، سواء من خلال ضخّ أموال طائلة أو عبر امتلاكه لمنصة "إكس" (تويتر سابقًا)، بدا أن ماسك بدأ يؤمن بأنه "صانع الملوك". حاول تكرار نفوذه في أوروبا من خلال دعم الأحزاب اليمينية الشعبوية، لكن جميع محاولاته باءت بالفشل. بل إن سمعته الشخصية وعلامته التجارية "تسلا" تضررتا بشدة، بعد أن قاطعهما المستهلكون الرافضون له.

في الولايات المتحدة، جعلته مهمّته الليبرتارية الرامية إلى تقليص ميزانية الدولة من خلال دوج هدفًا لغضب الرأي العام. واعتبره كثيرون "العقل المدبّر" وراء السياسات غير الشعبية، في حين ظلّ ترامب في الظلّ، مستفيدًا من ماسك كدرعٍ واقٍ من الانتقادات.

غير أن الأمر اللافت حقًّا هو أن ماسك لم يُقصَ بسبب فشل تقني، بل لأنه خالف أحد المبادئ الكلاسيكية في السياسة، كما ورد في كتاب "القوانين الثمانية والأربعين للسلطة": "لا تتفوّق على السيّد أبدًا."

حين بدأ يبرز أكثر من ترامب، وراح يُشار إليه بوصفه "الرئيس الظلّي"، تدهورت علاقتهما بشكل ملحوظ. ففي عالم السياسة المليء بالأنا والصورة، فإن البروز الزائد قد يعجّل بالسقوط.

ليست هذه حكايةً عن إيلون ماسك فحسب، بل هي مرآة للواقع السياسي: السياسة ليست مسألة ذكاءٍ تقني، بل هي فنّ فهم الإنسان وقراءة اللحظة. السياسة ليست خوارزمية، ولا يمكن إخضاعها فقط بالمنطق والبيانات والمال.

ما الدرس المستفاد؟
إن العبقرية في مجالات التكنولوجيا أو الأعمال أو الأكاديميا لا تضمن القدرة على البقاء في الساحة السياسية. حتى شخصية قوية مثل إيلون ماسك قد تتعثّر إذا لم تُدرك طبيعة النظام السلطوي المعقّد والمليء بصراعات الأنا.

والأخطر من ذلك، أنّ الانخراط المباشر من قِبل التكتلات الاقتصادية العالمية في الشأن السياسي الدولي قد يُشكّل سابقةً خطيرة، ويفتح الباب أمام تلاعبٍ إدراكيٍّ بالرأي العام قد يُهدّد استقرار الديمقراطية العالمية.

في هذا العصر، باتت الحدود بين القطاعين العام والخاص أكثر ضبابية. لكن يبقى شيء واحد واضحًا: السياسة مجالٌ يجب أن يُفهم بعمق، لا أن يُحتكر من طرفٍ واحد فقط.

Comments

Popular posts from this blog

IS THERE STILL HOPE FOR TUPPERWARE?

SENGGOLAN

Visi dan Misi serta Schedule PW IPM Sulsel Periode 2014 - 2016